أجرت مصر خلال الآونة الأخيرة أول انتخابات رئاسية مباشرة تنافس فيها أكثر من مرشح على منصب الرئاسة، ثم تبعتها بإجراء انتخابات برلمانية تنافسية، ثم شهدت تشكيل حكومة جديدة، ضمت الكثير من الوجوه الجديدة من القطاع الخاص في البلاد· وكلها كانت إجراءات مهمة للإصلاح السياسي تم اتخاذها على أسس راسخة من القضاء المستقل، والصحافة الحرة، والنظام السياسي القائم على التعددية الحزبية والمجتمع المدني النابض بالحيوية والحركة·
وكانت الاعتبارات الديموغرافية هي القوة الدافعة التي رفعت عملية الإصلاح السياسي في مصر إلى أسقف جديدة· ففي الوقت الراهن نجد أن ما نسبته 56 في المئة من سكان مصر يندرجون في الفئة العمرية 25 عاماً فأقل· بيد أن العامل الأساسي الذي جعل عملية الإصلاح ممكنة، كان انتقال مصر من نظام الاقتصاد القائم على التخطيط المركزي إلى نظام الاقتصاد الذي يساهم القطاع الخاص فيه بما يزيد على سبعين في المئة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد وهو ما سيؤدي إلى زيادة عدد المشاركين الفعليين في مستقبلها·
وقد تمت إعادة انتخاب الرئيس حسني مبارك ومنحه تفويضاً من الشعب للاضطلاع بإجراء التغييرات التي تتضمن تعزيز دور البرلمان من خلال منحه سلطة إشرافية أكبر، وتحقيق قدر أكبر من التوازن بين الأجهزة التنفيذية والتشريعية، وزيادة درجة استقلال القضاء، وزيادة نسبة تمثيل المرأة في البرلمان، وتعزيز الحريات المدنية التي تشمل إنهاء حالة الطوارئ ومراجعة نظام الاعتقال الإداري المطبق حالياً·
وللتشجيع على زيادة نسبة المشاركة الشعبية الفعلية بأكثر مما هو موجود حالياً، فإن جهود مصر في المستقبل ستتركز على تخلي الحكومة عن قدر أكبر من السلطات لأجهزة الحكم المحلي، وتحرير القطاع الإعلامي، وتفعيل قانون جديد لحرية المعلومات لتمكين المواطنين من القيام، وبدرجة أكثر فعالية، بإخضاع الحكومة للمساءلة ومحاسبتها عن سياساتها وقراراتها·
على مدى أربعة أسابيع، أي في أواخر العام الماضي، توجه أبناء الشعب المصري إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات البرلمانية واختيار 444 عضواً جديداً للبرلمان من بين 6000 مرشح من مختلف التيارات والانتماءات· وقد جاءت الانتخابات بجيل جديد من السياسيين تبلغ نسبة الوجوه الجديدة فيه 70 في المئة، ويضم نسبة قياسية من الأعضاء المستقلين·
وكانت العملية الانتخابية التي جرت على مدى تلك الفترة ناجحة بكافة المقاييس، وإن كانت لم تخل بالطبع من بعض التجاوزات الضئيلة حيث تم تسجيل شكاوى في عدد من مراكز التصويت يتراوح ما بين 20 إلى 25 مركزاً من بين 25 ألف مركز على مستوى الدولة· وقد أقر رئيس الدولة والحكومة بصحة هذه الشكاوى· وسيكون البرلمان الجديد مسؤولاً عن ترجمة المبادرات السياسية الواردة في البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك إلى إجراءات ملموسة تشمل سن قانون جديد للانتخابات، لتعزيز تمثيل الأحزاب السياسية، وإجراء المزيد من الإصلاحات في نظامنا الانتخابي، كما سيقوم البرلمان أيضا بالتعامل مع المبادرات الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك ترقية مستوى التعليم والخدمات الصحية التي تقدم للمواطنين·
ومما يؤسف له أن نجد في الولايات المتحدة من يقومون بإثارة الشكوك ونشر مزاعم عن مؤامرات ذات دوافع سياسية بسبب إدانة أيمن نور رئيس أحد أحزاب المعارضة المصرية بتهمة التزوير· وهذه المزاعم أبعد ما تكون عن الحقيقة· فحقيقة أنه قد سُمح لنور بالمشاركة وتنظيم حملة انتخابية بحرية تامة سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، تدحض في حد ذاتها مزاعم وقوع مؤامرة ذات دوافع سياسية·
فخلال فترة تزيد عن سبعة شهور تم توفير كافة الإجراءات القانونية الواجبة للسيد ''نور'' وذلك من خلال محاكمة علنية وعادلة شملت تعيين محامي دفاع، ومنحه حق استئناف الحكم حسب الأصول المتبعة· أما بالنسبة لهؤلاء الموجودين في الولايات المتحدة والذين يطالبون الحكومة المصرية الآن بالتدخل من أجل تأمين الإفراج عن السيد نور، بصرف النظر عن حكم المحكمة الصادر بحقه، فإنني أقول لهم إنه يتوجب عليهم أن يدركوا أن ما يطالبون به يتناقض مع أسس حكم القانون واستقلال القضاء الذي نسعى إلى المحافظة عليه ودعمه من خلال عملية الإصلاح التي نقوم بها·
وأجندة مصر الإصلاحية طموحة وحافلة بالتحديات، ولكننا سنسعى إلى تحقيقها بإيمان وعزم، لأن تلك الأجندة هي التي ستقوم بتحديد معالم مستقبلنا·
لقد كانت مصر من أولى الدول التي قامت بإرساء أسس الدولة الحديثة في الشرق الأوسط، كما كانت هي أيضا الدولة الرائدة في تحقيق السلام العربي- الإسرائيلي الشامل· واليوم تقف مصر على أعتاب تحول هائل ستكون له تداعيات عميقة على مستقبلنا، وعلى مستقبل منطقة الشرق الأوسط وفيما وراءها· وأنا واثق من أن مصر تمتلك العزم والتصميم كما تمتلك القيادة القادرة على نقل المنطقة إلى عهد جديد من الحداثة كجزء من المجتمع العالمي· من المفهوم بالطبع أن يكون الأصدقاء مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مهتمين